لا يزال العجز المالي يشكل تحدياً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية

Press Release

بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بإغلاق للوكالات الحكومية الأمريكية منذ هذا الشهر بعد فشل الكونغرس الأمريكي في إقرار موازنة السنة المالية الجديدة. فقد أصر مجلس النواب الذي يهيمن عليه الجمهوريون على تأخير تطبيق برنامج الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإصلاح نظام الرعاية الصحية كشرط لإقرار مشروع القانون. وقد أدى الجمود الذي يخيم على الكونغرس إلى عدم توفير الأموال اللازمة للعديد من الخدمات الحكومية مما تسبب في توقفها أو تقلصها بصورة حادة. وشهدت كذلك الأسواق المالية تقلبات هامشية على أمل أن يسوّى هذا الأمر. وفي ضوء استمرار الحكومة الأمريكية بعملية الإغلاق، برزت المخاوف المتعلقة بتفاقم أزمة الدين العام الأمريكي مع حلول منتصف شهر أكتوبر. وعلى خلفية هذا الأمر، ستبدأ الاجتماعات السنوية لمجموعة لبنك الدولي وصندوق النقد الدولي خلال هذا الشهر في واشنطن. وقد نجم عن عدم التوافق الكونغرس حول سقف الدين الأمريكي قيام وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني بتخفيض التصنيف الائتماني الأمريكي AA+ بعدما كان قد صنّف من الدرجة AAA في عام 2011.

ولا يزال العجز المالي يشكل تحدياً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والاقتصاديات المتقدمة الأخرى، لذا، فإنه من الضروري قيام الاقتصاديات المتقدمة بتطبيق سياسات الاستقرار المالي. ومنذ عام 1940 إلى عام 2010، ارتفع إجمالي الدين الفيدرالي للولايات المتحدة الأمريكية من 43 مليار دولار إلى أكثر من 13.5 تريليون دولار أمريكي وقد بلغ 16.5 تريليون دولار أمريكي حتى هذا التاريخ.

وعلى خلفية ارتفاع شريحة كبار السن لدى السكان والبرامج الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية، فسيتواصل العجز السنوي للحكومة الأمريكية وسيرتفع حجم الديون ما لم يتم إقرار زيادة كبيرة على الضرائب. وعلماً أن نسب الدين المرتفعة تسببت في إبطاء النمو الاقتصادي. هذا ويتوقع مكتب الإدارة والميزانية للولايات المتحدة الأمريكية أنه في عام 2017، ستتجاوز مدفوعات الفائدة على الدين العام تكلفة برنامج الرئيس الأمريكي لإصلاح نظام الرعاية الصحية. وفي نهاية الربع الأول من عام 2013، بلغ الدين الحكومي 92.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو. وقد تمثّلت أعلى نسب للدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي بنهاية الربع الأول من عام 2013 في البرتغال، وإيطاليا، واليونان، وأيرلندا. هذا ويعتزم المشاركون في اجتماع صندوق النقد الدولي مناقشة موضوع تعزيز الشفافية المالية والمحاسبة الحكومية.

وفي وقت سابق من هذا العام، أشار البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى أنه سيبدأ بتطبيق الخفض التدرجي لبرامج التسهيل الكمي مما تسبب بحالة من الذعر في الأسواق المالية أدت إلى انخفاض قيمة عملات الأسواق الناشئة. وقد كان من المتوقع أن يبدأ البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تطبيق هذا الإجراء في سبتمبر 2013 لكنه أشار في اجتماعه الأخير إلى أنه ينتظر المزيد من البيانات حول الاقتصاد الأمريكي قبل البدء في تنفيذه.

وفي السنوات الأخيرة، شهدت أسواق رأس المال الآسيوية قدوم كبير لرؤوس الأموال منذ أزمة الرهن العقاري الثانوية إلا أنها شهدت كذلك هروب لرؤوس الأموال في السنة الحالية تخوفاً من التطبيق المحتمل لبرامج التسهيل الكمي الأمريكية والتي خلقت المزيد من الضغوط على عملتها المحلية.

ومن ناحية أخرى، تابع كل من بنك إنكلترا وبنك اليابان اتباع تطبيق إجراءات التسهيل الكمي. ويعتزم المشاركون خلال الاجتماع الحالي لصندوق النقد الدولي مناقشة “السياسات النقدية غير التقليدية وآثارها الجانبية غير المباشرة على البلاد” بغية فهم الآثار الناجمة عن سحب إجراءات التسهيل الكمي من قبل البنوك المركزية في الاقتصاديات المتقدمة. وبحسب التوقعات، فإن الغموض الذي يكتنف مدى استمرارية إغلاق الدوائر الحكومية الامريكية وسقف الدين الأمريكي سيؤثر على النمو الاقتصادي الأمريكي وسيدفع البنك الاحتياطي الفدرالي إلى تأجيل التسهيل الكمي.

هذا وقد واصلت بعض الاقتصاديات الناشئة مواجهة ظروف عصيبة مثل تباطئ النمو وارتفاع معدلات التضخم. وباستثناء العملة الصينية، انخفضت قيمة عملات الأسواق الناشئة الأخرى مقابل الدولار في عام 2013. كما تسبب تباطئ النمو الاقتصادي، وأزمة الائتمان الصينية في شهر يونيو 2013، واحتمال قيام البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بسحب خطة التخفيز الاقتصادي إلى تراجع أسواق المال. إلا أنها عادت وانتعشت من جديد على آمال الإجراءات الحكومية المتخذة واحتمال تأخير سحب خطة التحفيز الاقتصادي للبنك الاحتياطي الفدرالي. وبهذا الصدد، يعتزم المشاركون في اجتماع صندوق النقد الدولي مناقشة “استعادة الزخم في الأسواق الناشئة”. وفيما يتعلق بعملية إصلاح نظام الحصص والحوكمة لصندوق النقد الدولي، فإنها تتضمن مضاعفة الحصص في صندوق النقد الدولي، وتحويل الحصص إلى أسواق ديناميكية ناشئة، وإصلاح تركيبة المجلس التنفيذي غير المطبقة حتى الآن. بينما تتطلب الحوكمة العالمية من جهة أخرى إعادة التنظيم عبر إقرار هذه الإصلاحات. هذا ويعطي التأخر بتطبيق ذلك مزيد من الزخم لدول البريكس لإيجاد مصادر بديلة مثل الصندوق المقترح تأسيسه بقيمة 100 مليار دولار أمريكي والهادف إلى تحقيق الاستقرار في أسواق العملات.

وفي ظل التباطئ الذي تشهده الاقتصاديات الناشئة، تستقطب الدول ذات الاقتصاديات المبتدئة انتباهاً متزايداً حيث تسير بعض تلك البلدان على درب التحول إلى أسواق ناشئة. وفي الوقت الذي تصنّف فيه بعض الدول الخليجية ضمن الاقتصاديات المبتدئة، يعتزم مؤشر إم إس سي آي في العام القادم ترقية أسواق خليجية مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر من أسواق مبتدئة إلى أسواق ناشئة. وفي هذا الشأن، يعتزم المشاركون في اجتماع صندوق النقد الدولي التطرق أيضاً إلى موضوع “الاقتصاديات المبتدئة: الجيل المقبل من الأسواق الناشئة”. ومن المرجح قيام صندوق النقد الدولي بتخفيض توقعاته الاقتصادية العالمية نظراً إلى المخاوف الناجمة عن تباطؤ الاقتصاديات الناشئة والمسائل المالية في الولايات المتحدة الأمريكية. وتُمثّل المخاوف المتعلقة بالتخلي عن السياسات النقدية غير التقليدية والجمود الذي يسود الساحة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي.